الاثنين، 19 مارس 2012

فيلم ايراني يفوز بالاوسكار يثير غضب اسرائيل



حكاية امرأة تبحث عن الطلاق كي تربي ابنتها
«انفصال نادر وسيمين».. معضلة أخلاقية
مشهد من فيلم {انفصال نادر وسيمين}
مشهد من فيلم {انفصال نادر وسيمين}
حسن عزالدين
حصد الفيلم الإيراني «انفصال نادر وسيمين» جوائز عدة من مهرجانات سينمائية عالمية توجها بأوسكار أفضل فيلم أجنبي. واحتل الفيلم المرتبة التاسعة والستين في قاعدة بيانات IMDb- حيث تتركز عادة الأفلام الأميركية التجارية أو الأوروبية الناجحة والمجرّبة من قبل الأجيال. أمر كهذا يعتبر نادرا بالنسبة لعمل إيراني سينمائي.
بطلة فيلم «انفصال نادر وسيمين» للمخرج أصغر فرهادي تريد الحصول على الطلاق لكي تتمكن من تربية ابنتها في بيئة أفضل غير ملوّثة بالعنف، لكن زوجها لا يرغب في المغادرة لأنه يشعر بواجب الاهتمام بوالده المصاب بمرض الزهايمر. وبذلك تنشأ منذ البداية معضلة أخلاقية قوية، في ما إذا كانت الأولوية تتمثل بالخروج المشرف للأهل من الحياة، أو بالنمو الهادئ للطفل. الأمر الإيجابي هو أن الفيلم لا يحل هذا الاختيار.


في الغرب تحصل النساء عادة على ما ترغبن به: يتم تحريرهن من الرابط الزوجي، كما يحصلن غالبا بالإضافة لذلك، على نسبة من كل ما جناه الزوج خلال فترة عيشهما المشترك. إلا أن المحكمة القابعة تحت اللحى في إيران تضحك على النساء المماثلات بسخرية: لا يتم تطليقهن لأن أسبابهن المبيّنة لا تبدو قوية بما فيه الكفاية. ولا يبقى أمامهن سوى الانتظار، حيث ان الرجال يشكّلون المحرك الوحيد لوجودهن.
يرسم فيلم «انفصال نادر وسيمين» المواقع المختلفة التي تعيش فيها النساء في أماكن عديدة، بالإضافة للطرق المختلفة التي ينظرن من خلالها إلى فرصهن وكيفية تقييمهن لذلك، إحداهن تشعر بأنها محددة لأن زوجها لا يقدم لها المال لكي تذهب إلى النادي الرياضي، والثانية تشعر بالتحديد لأنه لا يمكنها أن تفعل أي شيء، مثل كشف شعرها.
أمر شكلي
طريقة إظهار إيران الحالية في فيلم «انفصال نادر وسيمين» هي مقلقة بالنسبة لنا. فهذه الدولة لا تبدو للوهلة الأولى كمكان لا تسود فيه حقوق الإنسان، حيث لا يمكن للمرأة أن تقول رأيها. لكن عندما نذهب إلى أعمق من ذلك، يتبين لنا بأن الاستماع إلى المرأة في المحكمة هو مجرد أمر شكلي. فلا تأثير لكلمتها على القرار النهائي، بغض النظر عمّا تقوله. هذا الوضع المنافق – التشبّه السطحي بالنظام الاجتماعي – هو أكثر كآبة من الدكتاتورية القاسية، لأنه يحاول أن يبدو وكأن كل شيء هو على ما يرام. هذا في حين أن ذلك البعد غير الإنساني ليس مرئيا عند اللقاء الأول.
برنامج تثقيفي
عرض فيلم «انفصال نادر وسيمين» في تشيكيا يستبدل الدعاية غير الكافية والانعكاس الإخباري للمعايير الإيرانية. كما يمكنه أن يستبدل وبقوة تفكير من يرغب في الاهتمام في ازدواجية تباين العالمين الغربي والشرقي. لا نرى على الشاشة أي ظاهرة اجتماعية أو سياسة عامة. نصل إلى الأبواب المغلقة للمنزل العادي. نحصل على معلومات حول كيفية سير الأمور في إيران على ما يبدو: لماذا يتشاجر الأزواج؟، كيف يتجادلون؟ ماذا يثمّنون عن بعضهم بعضا وعن الآخرين؟ معظم الأمور المصورة ليست متسقة مع سلّم قيم الإنسان الغربي.
رسالة الفيلم لا تكمن في تصوير مشكلة محددة ما – فالأمر يتعلق بنظرة على الاتفاقية المحلية، الأخلاق، المبادئ. ولا يمكن إلا لفنان محلي أن ينجز عملا يتمتع بمثل هكذا تأثير. فبالرغم من أن صانع السينما الأميركي أو الأوروبي قد يتمكن من دراسة البيئة الإيرانية بأفضل الطرق الممكنة، إلا أنه سيواجه العادات المحلية مع القيم الغربية، شاء ذلك أم لا. لا حاجة للفنان الإيراني للحُكم، بل للإظهار، للتوثيق. وهذا منطقي: لا أسباب كثيرة لديه لكي يحكم على شيء يعرفه من وطنه – فبذلك سيسبب المعاناة للمشاهد المحلي من خلال عذابه المحلي. هو يريد على الأرجح إظهار ذلك بكل تجرد لطرف آخر.
الأمر الأخلاقي في الواقع
يبدو فيلم «انفصال نادر وسيمين» كمنتدى نقاش، لا يمنح المخرج الحق لأحد، حيث يجب على المشاهد أن يختار بنفسه. الأبطال يجلسون دائما في غرفة ما ويناقشون، ما هو الصحيح في العلاقة تجاه العائلة، تجاه أنفسهم، تجاه القرآن، تجاه الزوج. في الواقع، تجاه أي شيء. الدفاع عن مدى صلة التصرف يشكّل موضوعا أساسيا. وهذا يشكل موازنة مثيرة للسينما الأميركية الرئيسية التي لا يشكك فيها أحد تقريبا بنفسه. جميعهم مقتنعون بأنفسهم وبشكل أرعن. يبدون رائعين أمام أنفسهم. أما الفيلم الإيراني فيتحدث عن الإدراك المتواضع والتفكير.
أسلحة نسائية
حدث فيلم «انفصال نادر وسيمين» يصل إلى الحالة التي يحتاج فيها الإنسان الذي يفكر على الطريقة الغربية الى صياغة رأي ما. فبعد فشل عملية الطلاق يعيش الزوجان بشكل منفصل. هو يحاول أن يعمل ويهتم بوالده الذي يعاني مرض الزهايمر وتربية ابنته. وهي تؤثر فيه من خلال «الأسلحة النسائية» لكي لا يمنع ابنته من أن تنعم بحياة أفضل. وعندما يتّهم الرجل المربّية بسرقته، يتحول من خلال المنظار المحلي إلى شخص مدان، لأنه لا يملك أي دليل على ذلك – نحن قد نقول فقط انه لم يكن محقا.
عندما يوظف أمرأة لم يسمح لها زوجها بذلك، فإن ذلك يتعارض كليا مع الأخلاق المعمول بها محليا – ما قد يكون مماثلا لذلك في الغرب على سبيل المثال هو عندما يعمل شخص ما على إذلال شخص مريض نفسيا. وعندما تضبطه ابنته خلال ممارسة الكذب، يبدو بالنسبة لها وكأنه قد توفي. عندما يعمل أي كان على تسهيل التصرف الحميد، يصبح وجوده موضع شك.
أرضية مشوشة
لم يتسنّ لأصغر فرهادي اختيار أسلوب الفيلم بشكل أفضل، فهو سهل، محدد، واقعي. ستشعرون بأنكم غير مرئيين، وبأنكم تجلسون إلى جانب الأشخاص الذين يتناقشون مباشرة. وما يمكن أن يكون أمرا مملا لشخص ما ، يشكل للشخص الآخر أرضية غير مشوشة لإدراك مواقف الأبطال المختلفين في الفيلم. وكأنهم يتحدثون معكم. ولو كان الجانب الصوري أكثر فوضوية من الناحية التركيبية وأكثر خاما من الناحية التقنية، لكان بإمكاننا اعتبار الفيلم كبديل إيراني للطريقة السينمائية الدانمركية الشهيرة «الدوغما».
أمور غير معتادة
تراقبون ماذا يعني الإيمان الحقيقي والاقتناع؟ كيف يبدو الأمر عندما يكون الإنسان العصري مرتبطا بشكل حقيقي بربه وكتابه المقدس الذي يحدد التصرف الحميد؟ تراقبون تصرف الشخص الذي تشكّل الأخلاق بالنسبة له أكبر نظام داخلي، ذلك الشيء الذي يسمح له بالنظر إلى نفسه كل يوم في المرآة. تراقبون امرأة تعاني بشكل مستمر، لكنها لا تعتبر ذلك ظلما، بل واقعا عاديا – لا تحتج أبدا الى ما رُسم لها. «فلا يبقى للمرأة هنا سوى الانتظار».
اختلاف قائم
يضيف المخرج العنصر الذي نعرفه جيدا، الفتاة المراهقة المرتبكة التي لا تعرف إلى جانب أي من والديها ستقف، وأي منهما ستختار، وأي منهما ستمنحه يدها أو تدير له ظهرها. هنا يبدو المخرج فرهادي وكأنه يريد أن يُظهر أننا لسنا مختلفين كثيرا – أننا نأخذ الأطفال كرهائن لحل مشاكلنا إن كنّا نعيش في أوروبا، نيويورك أو في إيران. أنه نقد لأخلاق الإنسان الحالي.
خلال النظر إلى قيم واتفاقيات الإنسان الشرقي يبدأ المشاهد الغربي بالوعي، بأن ذلك الاختلاف هو قائم ليس بسبب تلك الديموقراطية المتأخرة وطريقة التطور في العالم الشرقي، بل ان جذورها هي مترسّخة عميقا في التقاليد. يُظهر فيلم انفصال نادر وسيمين أن عناصر التصرف والسلوك التي يضحك عليها الإنسان الغربي، لها معناها – على العكس فانه قد لا يكون لها معنى لو تخلى عنها الإيرانيون لأن من يسمّون بالأميركيين الأكثر تطورا ينصحونهم بذلك.
من يرغب في حرب العوالم هذه عليه أن يبحث عن العناصر المشتركة، سيضطر للقبول بحقيقة أن الرجال هم مغرورون في كل مكان حول العالم، وبأنهم لا يتخلون عن حقيقتهم الذاتية أبدا. شخصية نادر مكتوبة بشكل مقصود لكي لا نعرف في ما إذا كان كبرياءه هو أمر مرتبط بالأنانية الذكورية، أم بالمبادئ الأخلاقية الداخلية.
الحافز المهيج
المشاهد الإيراني سيتعامل على ما يبدو مع عمل أصغر فرهادي بصفته «فيلم من الحياة، لا يخاف من إظهار ما هو قبيح في الواقع اليومي». وتماما مثل فيلم «انفصال نادر وسيمين» الذي ينظر إلى الواقع اليومي الإيراني، بطبيعة الحال فإن فيلم أصغر فرهادي يبدو وكأنه قد تم تصويره بنيّة تعليمية – وكأنه كان من المفترض أن يكون للجمهوري غير الإيراني. شيء كهذا هو فاعل في العالم الذي لم نتعود فيه بأن يموت المرء بسبب قناعاته الذاتية، أو بأنه لا يمكن للمرأة مساعدة الرجل المتخلّف عقليا لكي لا يُفهم تصرفها مصادفة على أنه تصرف جنسي.
إن هذه المنبهات هي مقلقة بالنسبة لنا، فهي تُجبرنا للاستفسار عن أنفسنا، وكيف من الممكن أصلا أن يوجد مثل ذلك الأمر في يومنا هذا. ما قد يثير استفزاز المشاهد الإيراني أكثر على الأرجح هي الكليبات المصورة للمغنية ليدي غاغا.
أصغر فرهادي
أصغر فرهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق